الاعلام الوطنية والعالمية: سالم بوحاجبالفهرس |
ولد الشيخ سالم بن عمر بوحاجب ببنبلة , إحدى قري الساحل التونسي ونشأ نشأة قروية فكان يقوم بأعمال فلاحية في ضيعة أبيه ويحفظ القرآن ومبادئ الكتابة في كتاب القرية , ثم رحل إلي تونس العاصمة فسكن عند عمّه الذي كان معلّما خاصا لأبناء مصطفى آغة بقصره بباردو . وفي أواخر سنة 1258 هـ /1842- 1843 م التي أحدث فيها المشير الأول أحمد باشا باي تنظيما جعل به التعليم الزيتوني تعليما رسميا , دخل الشيخ سالم بوحاجب إلي جامع الزيتونة الأعظم وأخذ فيه العلوم الشرعية .
سرعان ما برز الشيخ سالم بوحاجب من بين أقرانه ونال إعجاب شيوخه ,وبفضل مثابرته في البحث ارتقى إلى درجة رفيعة في التمكن من العلوم الشرعية وبخاصة العلوم العربية واللغوية والحضارية فسرعان ما اشتهر في الأوساط العلمية وقربت منزلته من أعيان الطبقة العليا من علماء عصره وخصوصا منهم الشيخ محمد بيرم الرابع المدرس و المفتي ثمّ باش مفتي حتي صار من المقرّبين لديه المنسوبين إليه المواظبين على جلسات ناديه العلمي والأدبي حيث تعرف على العالم الجليل محمود قابادو الذي تأثّر بآرائه الإصلاحية أيّما تأثر , كما كانت صلته متينة بالشيخ القاضي ثم المفتي ونقيب الأشراف محمد الطاهر ابن عاشور الأول فكان من ملازميه وأهل ودّه . انتصب الشيخ سالم بوحاجب للتدريس بجامع الزيتونة سنة 1265 هـ /1848- 1849 م, واستمر يبث العلم في صدور طلابه إلي سنة 1330 هـ /1911- 1912 م . وارتقي الشيخ سالم بوحاجب من طبقة المدرسين المتطوعين إلى الطبقة الثانية سنة 1850 م , ثم ارتقى في شوّال سنة 1280 هـ /1863 م إلي الطبقة العليا . وقام الشيخ سالم بوحاجب بتدريس عدد من الكتب المهمة لطلابه مثل الموطأ وصحيح البخاري في علم الحديث وشرح الاشموني على ألفية ابن مالك في علم النحو و المزهر للسيوطي في علم اللغة كما اعتني بإحياء تدريس علم الأصول بعد أن كاد ينقرض من جامع الزيتونة فأخذ يدرس شرح العضد علي مختصر ابن الحاجب.
ولم يقتصر الشيخ سالم بوحاجب علي الأخذ من مناهل الزيتونة في نظامها الجديد بل التحق بدرس الموطأ الذي كان يلقيه الشيخ إبراهيم الرياحي بداره , وكان آنذاك كبير أهل الشورى المالكية والإمام الأول بجامع الزيتونة . كما أخذ علم الفرائض والعلوم العقلية كالحساب والهندسة ومعارف التصوف عن الشيخ محمد ابن ملوكة الذي كان مشهورا برسوخه في علم الفرائض. المدرسة الإصلاحية في القطر التونسي كانت غنية بإنجازاتها ثرية بالتنوع المعرفي لرجالاتها حيث عرف العالم الإسلامي أول دستور إلى جانب تحريم المتاجرة بالعبيد مبكرا .كانت عدة عوامل ساهمت في بروز شخصيات مسكونة بهواجس النهضة من خير الدين باشة حتى الطاهر الحداد حيث كان جامع الزيتونة منارة حقيقية إلى جانب الاحتكاك المبكر بالغرب الذي جاء نتيجة العلاقات التجارية مع فرنسا مع الزيارة التي قام بها باي تونس إلى فرنسا 1846 مع لفيف من المثقفين المهتمين بالشأن العام مما أحدث أثرا عميقا سينعكس في شكل تحولات ستمس في المستقبل عمق البنية . هناك انخراط مبكر لهذه النخبة على اختلاف مشاربها في محاولة جريئة لتجاوز الجمود والتخلف المهيمن على أركان الحركة الاجتماعية والدينية وفي نفس هذا السياق يمكن قراءة مشروع المصلح الشيخ سالم بوحاجب الذي ظل مغمورا برغم النشاط الذي تميز به في مجالات متعددة . يتميز الشيخ عن غيره أنه أقام بإيطاليا وزار معرض باريس سنة 1878 ليطلع عن قرب عن أحدث الاختراعات العلمية كل هذا مكنه من الوقوف عن قرب من القفزة النوعية التي بدأت تعرفها أربا في مقابل جمود وتخلف العالم الإسلامي , ففي توفر الخبرة العملية نتيجة الاحتكاك المباشر جعلت الشيخ يبحث عن الآليات العملية لتجاوز التخلف وذلك بتشخيص أسبابه المباشرة والغير مباشرة ليكتشف أن العلة لا تكمن في الموروث ذاته بل في الفهم المتخلف المبني على التقليد الأعمى والترديد ألببغائي لعلوم الأولين, انطلاقا من ذلك سيصبح الشيخ مسكون بمشروع إصلاح التعليم في القطر التونسي وفي مقدمة ذلك إصلاح التعليم الزيتوني من خلال الدعوة إلى تكريس العقلية النقدية مع إدخال العلوم الحديثة مما جعله يلقى معارضة شرسة من المتمعشين والمسترزقين من بقاء الأمر على حاله . التطور سنة الحياة ومع رفض المحافظون تدريس العلوم الدنيوية تقلص دور الجامع المعمور في الحياة العامة وتحول مع الزمن إلى فلكلور بحيث سهل تهميشه من طرف فرنسا مع جزء معتبر من النخبة في الأصل ذوي جذور زيتونية , هكذا أصبح شيوخ الجامع محل تندر واحتقار العوام ليتساءل المرء في حسرة حول الوضع اليوم لو وقع الإصلاح الفعلي من داخل النسق ؟ هل سنشاهد هذا النشاز الثقافي الذي شوه حركة التطور الطبيعي وأجهض حركة الإصلاح حيث كان المستعمر أول المستفيدين عبر تكريس إرادته وتحريف المسار نحو صراعات هامشية تتلون بتلوينات عقائدية موهومة بحيث تحول كل معارضي الإصلاحات أعداء المصلحة الوطنية وبيادق بيد المستعمر و تحول كل من يؤيد الإصلاح إلى كافر متخل عن ولغته ودينه .. توفي الشيخ سالم بوحاجب ببستان ابنه خليل بالمرسى يوم 14 ذي الحجة 1343 هـ / 16 جويلية 1924 م ودفن بمقبرة الزلاج بعد أن صلّوا عليه صلاة الجنازة ببطحاء القصبة بحضور باي تونس على عادة مراسم جنائز الشيوخ ورؤساء المجلس الشرعي . |